مع السلف في الأدب
قال أبو مصعب : " كان الإمام مالك لا يحدّث إلا وهو على طهارة ، إجلالا للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
عن عطاء بن أبي رباح قال : " إن الرجل ليحدثني بالحديث ، فأنصت له كأني لم أسمع هذا الحديث من قبل ، وقد سمعته قبل أن يولد " .
وذكر علماء التراجم في ترجمة الإمام الأحنف بن قيس أنه كان إذا أتاه رجل واسع له في المجلس ، فإن لم يكن هناك سعة أراه كأنه يوسع له .
وقال الأحنف : " ثلاث فيّ ما أذكرهن إلا لمعتبر : ما أتيت باب سلطان إلا أن أُدعى ، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما ، وما أذكر أحدا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير " . وقال أيضا : " ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور : إن كان فوقي عرفتُ له قدره ، وإن كان دوني رفعت قدري عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه " .
قال ابن الوليد لولده العباس : " سبحانك تفعل ما تشاء !! ، كان الأوزاعي يتيما فقيرا في حجر أمه ، تنقله من بلد إلى بلد ، وقد جرى حكمكَ يا رب فيه أن بلغته حيث رأيته ، يا بنيّ عجزت الملوك أن تؤدب نفسها وأولادها أدب الأوزاعي في نفسه ، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعها إلى إثباتها عنه ، ولا رأيته ضاحكا قط حتى يقهقه ، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول في نفسي : أترى في المجلس قلب لم يبك ؟ " .
عن إبراهيم بن حبيب الشهيد قال : " قال لي أبي : " يا بُني ، اذهب إلى الفقهاء والعلماء ، وتعلم منهم ، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم ؛ فإن ذاك أحب إلي لك من كثير من الحديث " .
وعن ابن المنادي قال : " كان الإمام أحمد من أحيى الناس وأكرمهم ، وأحسنهم عشرة وأدبا ، كثير الإطراق لا يسمع منه الا المذاكرة للحديث ، وذكر الصالحين في وقار وسكون ولفظ حسن ، وإذا لقيه انسان بشّ به وأقبل عليه ، وكان يتواضع للشيوخ شديدا وكانوا يعظمونه ، وكان يفعل ب يحيى بن معين ما لم أره يعمل بغيره من التواضع والتكريم والتبجيل ، وكان يحيى يكبره بسبع سنين ".
وعن أبي عبدالله قال : " أفطرنا في رمضان ليلةً شديدة الحر ، فكنا نأكل ونشرب ، وكان أخي عبدالرحمن بن مندة يأكل ولا يشرب ، فخرجت وقلت للناس : إن من عادة أخي أنه يأكل ليلة ولا يشرب ، ويشرب ليلة أخرى ولا يأكل ، قال : فما شرب تلك الليلة ، ولا في الليلة الآتية ، كان يشرب ولا يأكل ألبتة ، فلما كان في الليلة الثالثة قال : يا أخي ، لا تلعب بعد هذا ، فإني ما اشتهيت أن أكذبك ".
وقال أيوب بن المتوكل : " كان إمام النحو الخليل إذا أفاد إنسانا شيئا لم يره بأنه أفاده ، وإن استفاد من أحد شيئا أراه بأنه استفاد منه ".
ويروى أن أبا إسحاق الحربي لما دخل على إسماعيل القاضي بادر إليه محمد بن يوسف إلى نعله ، فأخذها فمسحها من الغبار ، فدعا له وقال : " أعزك الله في الدنيا والآخرة " ، فلما توفي محمد بن يوسف رؤي في النوم ، فقيل له : " ما فعل الله بك ؟ " ، قال : " أعزني في الدنيا والاخرة بدعوة الرجل الصالح " .