< عجائب الشمس >
{والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}
الشمس هي القرص المعروف في السماء الذي يشع نوره على وجه البسيطة بل على جميع الكواكب السيارة والقمر، ونحن إذ نرى ونحس بنورها وحرارتها فإنه لم يصل إلينا منها أكثر من جزء واحد من ألفي جزء من الحرارة المشعة منها.
والشمس هي المصدر لنور جميع السيارات التي منها أرضنا وهي منبع حرارتها ومبعث ما فيها من حياة وقوة ونشاط، وظهور آثار الشمس على الأرض أظهر من أن يخفى وأكثر من أن يحصى، فمنها أنا نرى جميع الحيوانات في الليل كالميتة، فإذا طلع نور الصباح ظهرت في أجساد الحيوانات أنوار الحياة، وكلما كان طلوع ذلك النور أكثر كان ظهور قوة الحياة في الأبدان أكثر، ثم كلما طلع قرص الشمس ترى الإنسان وسائر الحيوانات يبدأون بالحركة، ومادامت الشمس عن وسط السماء كانت حركاتهم في الزيادة والقوة، فإذا مالت الشمس عن وسط السماء أخذت حركاتهم وقواهم في الضعف، ولا تزال كذلك إلى غيبوبة الشمس، وكلما ازادات الغيبوبة ازداد الضعف والفتور والنقصان وهدأت الأبدان وضعفت، ورجعت جميع الحيوانات إلى بيوتها واحجرتها كالميتة المعدومة، حتى إذا طلعت عليهم الشمس في اليوم الثاني رجعوا إلى الحالة الأولى من الحياة والنشاط وقوة الحركة.
ومنها أن كل موضع تكون الشمس بعيدة عن مسلماته جداً اشتد البرد فيه، مثل الموضعين اللذين تحت القطبين فإنهما لشدة البرد فيهما لا يتكون فيها حيوان ولا ينبت فيها نبات، ويكون هناك ستة أشهر نهاراً وستة أخرى ليلاً، وتكون هناك رياح عاصفة.
ومنها أنه قد دل الاستقراء على أن السبب في اختلاف الناس في أجسامهم واخلاقهم أو طبائعهم وسيرهم وألوانهم سواداً وبياضاً وتوسطاً بين ذلك إنما هو اختلاف أحوال الشمس بحسب القرب أو البعد عنها أو التوسط بين ذلك.
ومنها ما يشاهد من اختلاف أحوال الفصول الأربعة بسبب انتقال الشمس في أرباع الفلك، ولا شك أن السبب في تولد النبات وتضجها وكمال حال إنما هو من هذه الفصول الأربعة، والسبب في الفصول هي الشمس، والسبب للسبب مسبب لما سبيه السبب وهو ظاهر.
ومنها ما يتعلق بالنبات والحيوان والمعادن، كمثل ما يشاهد في النيلوفر والأذريون وورق الخروع وغيرها، من نموها في أول النهار عند أخذ الشمس في الإرتفاع والصعود، وإذا شرعت الشمس في الانحطاط والنزول شرعت في الذبول والضعف، وأيضاً في الزروع والنبات لا ينمو ولا ينشأ إلا المواضع التي تطلع عليها الشمس ويصل إليها قوة حركتها، وأيضاً أن وجود بعض النبات في بعض البلاد دون البعض لا سبب له إلا اختلاف البلدان في الحر والبرد اللذين لا سبب لهما إلا الشمس، فإن النخل مثلاً ينبت في البلاد الحارة ولا ينبت في البلاد الباردة وفي الإقليم الأول تنبت الأفاوية الهندية التي لا توجد في سائر الأقاليم، وفي البلاد الجنوبية التي وراء خط الاستواء تنبت أشجار وفواكه وحشائش لا يعرف شيء منها في بلاد الشمال.
وأما الحيوانات فيختلف الحال في تولدها باختلاف حرارة البلاد وبرودتها، كالفيل فيختلف الحال في تولدها باختلاف حرارة البلاد وبرودتها فإن الفيل والغيلم والببغاء توجد في أرض الهند ولا توجد في سائر الأقاليم التي تكون دونها في الحرارة، وكذلك غزال المسك والكركدن، وقد يوجد بعضها في البلاد السودان أعظم جسوماً وأطول أعماراً.
وأما انعقاد الأجسام السبعة والأحجار والمعادن فمعلوم أن السبب فيها بخارات تتوالد من باطن الأرض بسبب تأثير الشمس، فإذا اختلفت تلك البخارات في قعور الجبال وأثرت الشمس في نضجها تولدت المعادن على تفصيل بينوه في علم الطبيعة.
وفي بيان حكمته جل وعلا الباهرة التي هي من أقوى البراهين الظاهرة الدالة على قدرته وإرادته، أنه خلق الأرض متحركة تدور حول الشمس فإنها لو كانت واقفة في موضع واحد لا شتدت السخونة في ذلك الموضع واشتد البرد في سائر المواضع وفسد الكل بذلك، القريب بالسخونة والبعيد بالبرودة المفرطتين لكنه جل وعلا بحكمته جعلها تطلع أول النهار من المشرق فتقع على ما يحاذيها من وجه الغرب، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب، فتشرق على الجوانب الشرقية فحينئذ بسبب هذه الحركة والدوران لا يبقى موضع مكشوف في المشرق والمغرب إلا ويأخذ حظاًُ من شعاع الشمس هذا بحسب المشرق والمغرب، وأما بحسب الجنوب والشمال فإنه تعالى جعل حركتها مائلة عن منطقة الفلك الأعظم، لأنه لو لم للأرض حركة الميل لكان تأثيرها مخصوصاً بمدار واحد، فكان سائر المدارات تخلو عن المنافع الحاصلة منه وكان يبقى كل واحد من المدارات حينئذِ على كيفية واحدة أبداً، فإن كانت تلك الكيفية حارة أفنت الرطوبات كلها وأحالتها إلى النارية ولم تتكون المتولدات في العالم أصلاً، لأن الموضع المحاذي للشمس على كيفية الإحتراق والنارية، والبعيد عنها على كيفية باردة مفرطة، والمتوسط بينهما على كيفية متوسطة فيكون في موضع شتاء دائم وفي موضع صيف دائم وفي موضع آخر ربيع أو خريف فلا يتم فيه النضج.
وأيضاً لو لم يكن للشمس عودات متوالية بل كانت تتحرك حركة بطيئة لكان هذا الميل قليل النفع، وكان التأثير شديد الإفراط وكان يفرض قريباً مما لم يكن ميل البتة، كذلك لو كانت حركتها أسرع من هذه لما كملت المنافع أيضاً ولا تتم لقصور التأثير، وأما إذا كان ميل يحفظ الحركة في جهة مدة ثم تنتقل إلى جهة أخرى بمقدار الحاجة ويبقى في كل جهة برهنة من الدهر تم بذلك تأثيرها وكثرت منافعها كما هو الموجود، فسبحان المنعم المتفضل بدون عمل سابق ولا استحقاق لا حق.
< عجائب القمر >
القمر ليس جسماً مضيئاً بذاته كالشمس أو النجوم، ولكنه يعكس الضوء الساقط عليه من الشمس، وعند اقترانه بالشمس لا نرى منه شيئاً، لأن وجهه المنير يكون جهة الشمس ووجهه المظلم يكون جهة الأرض، ويقال له حينئذٍ أنه في المحاق أو الاجتماع، وعند مفارقته لها يقال له حينئذٍ هلال، ويميل إلينا جزء صغير من نصفه المضيء نسميه هلالاً، وكل ليلة يتزايد الهلال عرضاً بحركته الميلية ويبعد عن الشمس إلى الشرق بنحو 13درجة ما يوازي 52دقيقة وذلك بحركته الميلية ويبعد عن الشمس إلى الشرق بنحو 13درجة ما يوازي 52دقيقة وذلك بحركته الذاتية، ويلزم أن يتأخر في غروبه كل ليلة بعد غروب الشمس بهذا المقدار مضافاً لكل ليلة 52دقيقة تقريباً حتى يظهر لنا نصف الجزء المنير.
في اليوم الثامن بعد ولادته، وفي هذه الحالة يكون بعده عن الشمس 90درجة أو ثلاثة بروج، ويقال له حينئذٍ أنه في التربيع الأول، ثم يتقدم القمر في فلكه من الغرب إلى الشرق، فيستمر في تباعده عن الشمس كل يوم 13درجة تقريباً حتى يصل إلى الإستقبال في منتصف الشهر الهلالي وفي هذه الحالة يكون بعده عن الشمس 180درجة أو ستة بروج، ويتجه إلينا عند ذلك جزؤه المنير كله ويسمى بدراً، ويقال له حينئذٍ أنه في الاستقبال، ثم يعاكس التغيرات من التوليد إلى الاستقبال، أي يأخذ الجزء المنير في التناقص، ويتأخر في طلوعه بالمقدار المتقدم كل ليلة حتى يختفي نصف الجزء المنير، وفي هذه الحالة يكون بعده عن الشمس 270 درجة أو تسعة بروج، ويقال له حينئذٍ أنه في التربيع الأخير، ولا يزال يتناقض ويتأخر حتى يصير هلالاً يطلع في الشرق قبل طلوع الشمس ثم يغيب الجزء المنير تماماً، ويعود إلى المحاق عد الاقتران وهكذا.
ومدة هذه الدورة 29 يوماً و12 ساعة و 44دقيقة و3 ثواني وهي مدة الشهر العربي.
وظهور آثار القمر على الأرض أكثر من غيره وذلك لأنه أقرب الكواكب إلى الأرض فكان التأثير منه أكثر وأولى، وإن حركات القمر سريعة وتغيراته قلية، وأما سائر الكواكب فحركتها بطيئة وتغيرات الأرض كثيرة، فكان إسناد تغيرات الأرض إلى حركات القمر أولى، ثم إن القمر بسبب سرعة حركته يمزج أنوار بعض الكواكب بأنوار الباقي ولا شك أن امتزاجها مبادئ لحوادث الحوادث في هذا العالم فكان القمر هو مبدأ القريب.
فمن تأثير القمر على هذا العالم أن أصحاب التجارب قالوا: إن البحار ما يأخذ في الازدياد من حين مفارقة الشمس للقمر إلى وقت الامتلاء، ثم إنها تأخذ في الازدياد بعد الامتلاء، وفي الانتقاص عند شروع نور القمر في النقصان وهكذا دائماً.
ومن البحار ما يحصل فيه المد والجزر في كل يوم وليلة، في طلوع القمر وغروبه، فإذا وصل القمر مشرقاً من مشارق البحر فالمد، ولايزال كذلك إلى أن يصير القمر وسط السماء في ذلك الموضع فعند ذلك ينتهي المد منتهاه، ثم إذ انحط القمر يشرع البحر في الجزر ويرجع البحر، ولا يزال كذلك راجعاً إلى أن يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه، فإذا زال زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد هناك في المرة الثانية ولا يزال زائداً إلى أن يصل القمر وتد الأرض فحينئذٍ ينتهي المد منتهاه في المرة الثانية، ثم يبتدئ الجزر مرة ثانية ويرجع إلى البحر حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع فتعود الحالة الأولى من المد مرة أخرى، وهكذا دائماً أبداً، وتكون الأرض مستديرة والبحر محيطاً بها على استدارتها، والقمر يطلع عليها كلها مقدار يوم وليلة، فكلما تحرك القمر صار موضع القمر أفقاً لموضع من مواضع البحر وصار ذلك الموضع وسط السماء لموضع آخر ووتد الأرض لموضع آخر، وفيما بين كل وتدين من هذه الأوتاد تظهر حالة أخرى، فلا جرم يحصل بسبب ذلك في البحر أحوال مختلفة مضطربة.
ومن تأثير القمر أنا نرى أبدان الحيوانات وقت زيادة نور القمر تكون أقوى وأسخن وبعد الامتلاء تكون أضعف وأبرد، وتكون الأخلاط التي في بدن الإنسان مادام نور القمر زائداً زائدة، ويكون ظاهر البدن أكثر رطوبة وحسناً، فإذا نقص ضوء القمر صارت هذه الأخلاط في غور البدن والعروق وازداد ظاهر الجسد يبساً.
ومنها أيضاً اختلافات الحيوانات وتفاوت أيامها وكل ذلك مبني على ضوء القمر ونقصانه كما هو مذكور في كتب الطب.
ومنها أن شعر الحيوانات فإنه مادام القمر زائداً في ضوئه فإنه يسرع نباته ويغلظ ويكثر فإذا أخذ ضوء القمر في الانتقاص أبطأ نباته ولم يغلظ.
وأيضاً يكثر ألبان حيوانات في أول الشهر إلى نصفه مادام القمر زائداً في ضوئه، وإذا نقص نور القمر نقص غزارة ألبانها، وكذلك أدمغة الحيوانات تكون أزيد مما تنعقد في آخر الشهر، بل ذكروا أن هذه الأحوال تختلف باختلاف حال القمر في اليوم الواحد، فإن القمر إذا كان فوق الأرض في الربع الشرقي، فإنه تكثر ألبان الضروع وتزداد أدمغة الحيوانات، وإن حدث في أجواف الطير في ذلك الوقت بيض كان بياضه أرق من بياض البيض الذي يحدث في غير ذلك الوقت من اليوم والليلة، فإذا زال القمر وغاب عنهم نقص نقصاناً ظاهراً، وهذه الاعتبارات تظهر عند الاستقراء ظهوراً بيناً.
ومنها إذا قعد إنسان أو نام في ضوء القمر حدث في بدنه استرخاء ويهيج عليه الزكام والصداع، ومنها أن السمك في الذي في البحار والأنهار يخرج أو الشهر إلى امتلائه من احجرتها ومن قعور البحار ويكون سمنها أزيد، وأما بعد الامتلاء إلى الاجتماع فإنها تدخل في قعر البحر وفي احجرتها وينقص سمنها، بل حتى في اليوم والليلة، فمادام القمر مقبلاً من الشرق إلى وسط السماء فإنها تخرج سمينة فإذا زال القمر عادت إلى أحجرتها ولا تكون سمينة للغاية، وكذلك حشرات الأرض تخرج من أحجرتها في النصف الأول من الشهر أكثر من خروجها في النصف الثاني.
ومنها أن الأشجار والغروس إذا غرست والقمر زائد في الضوء مقبل إلى وسط السماء علقت وكبرت ونشت وحملت وأسرعت النبات، وإن كان ناقصاً في الضوء زائلاً عن وسط السماء كان بالضد وكل ما ذكرناه كذلك.
ومنها أن القمر من الاجتماع إلى الامتلاء تكون الرياحين والبقول والأعشاب في ذلك الوقت أزيد نشواً أو أكثر نمواً، وفي النصف الآخر من الشهر بالضد من ذلك، والقثاء والقرع والخيار والبطيخ ينمو نمواً بالغاً عند ازدياد الضوء، فأما في وسط الشهر عند حصول الامتلاء فهناك يعظم النمو حتى إنه يظهر التفاوت في الحس في الليلة الواحدة، وكذلك المعادن والينابيع فإنها تزداد في النصف الأول من الشهر وتنقص في النصف الثاني منه وذلك معروف عند أصحاب المعادن.
ومنها أن لدغة العقرل ولسعة الثعبان تكون أشد سماً في النصف الأول من الشهر في حين النصف الثاني تصبح أقل تأثيراً، وكذلك السباع تكون أشد شراسة وافتراساً لطلب الصيد مادام ضوء القمر في ازدياد إلى النصف الثاني من الشهر.
وفي اقتران القمر بالكواكب وحلوله في الأبراج تأثير خاص في حياة الإنسان، وأوضح ذلك الأحاديث الواردة في كراهة السفر والتزويج في محاق الشهر وإذا كان القمر في العقرب وفي وصية أرستطاليس إلى الإسكندر في اختيار الفصد والحجامة قال: إذا أردت يا إسكندر أن تفجر أو تخرج من الدم كثيراً أو قليلاً وأن تقطع عرقاً فلا تحاول شيئاً من ذلك حتى يهل الهلال وحتى يفارق الشمس بثلاث عشرة درجة، و أحذر أن يكون القمر في القوس، وهو الطالع أو في الدلو أو في الجدي أو في الجوزاء، وتحذر من نظر الشمس أو القمر الطالع في التربيع والمقابلة، وكون القمر في الاجتماع أو في بروج مائية.
و أحذر أن يكون المريخ في الطالع أو مقابلاً له، وكذلك زحل، وأفضل الأوقات للفصد النصف الآخر من الشهر، ليكون القمر ناقص الضوء ولا يكون في الميزان ولا في العقرب والنحوس إليه غير ناظرة، وأردأ ما يكون إذا كان في ثانية أو ثامِنهِ نحس.
فأما الحجامة فإذا كان القمر زائداً في الضوء ولا تنظر إليه النحوس وخاصة المريخ ويكون القمر مع الزهرة أو تنظر الزهرة أو المشتري إليه، وإذا كان موضع الطالع أو القمر له سلطان على ذلك الموضع من الجسد فلا يتعرضه، أي لا يتعرض إليه.
ومدار أمرك على إصلاح القمر وتغيبه عن النحوس واتصاله بالسعود والله موفقك ومدبرك برحمته