التلف .. تلف .. تلفـ .. تلفزيون !!
لعله من المتفق عليه الافتراض أنه ليس ثمة اختراع من مخترعات القرن المنصرم حظي بأهمية و شعبية و تطوير و تنويع مثلما نال التلفزيون ، و لا سيما أنه الجهاز الذي اخترعه بيرد في عام 1902 ، و بقي على مدى مائة عام من أهم المفردات التي طرأت على الحياة البشرية . التلفزيون ، و ما أدراك ما التلفزيون ، هو ما جمع في صندوقه الكتاب و التسلية و الإعلام و الاتصالات و الفنون و الثقافة و العلوم .. و أشياء أخرى ! ، و هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتسمر أمامه الناس في معظم أنحاء العالم لنحو ثلاث ساعات أو أربع دون أن يحسبوا حساباً للوقت الذي مر .. و لا حتى لما سيمر من الوقت عدا عمن يقضي قرابة نصف ما يحيا من العمر أمام شاشته الفضية . التلفزيون ، و اسمحوا لي أن أبقي على تسميته هذه ، مع احترامي و إعجابي بالتعريب الذي طال اسمه و لما يطل محتواه فأطلق عليه الرائي و التلفاز و غيرها ، هو الضيف الذي لا يكتمل السهر بدونه ، و لا تنعقد الشلل إلا في حضرته . التلفزيون و كفى ..
نتساءل كأطباء أطفال .. هل من الحقيقي أن هناك تأثير ما على الطفل بأي شكل من الأشكال من جراء مشاهدته للتلفزيون ؟ و هل سيأتي يوم يسأل فيه طبيب الأطفال مريضه أو أهل مريضه عن البرامج التي يشاهدها الطفل أو الأغاني التي يحفظها في سياق سؤاله عن السوابق العائلية و الدوائية و الجراحية و عن الشكوى ؟ في الواقع لا يمكن أن ننكر أن التلفزيون هو أحد أهم ، لا بل أهم ، المؤثرات التي تمر على الأطفال و عقولهم على الإطلاق ! مضمناً بذلك تأثيراته السلبية ، و ما أكثرها ، و تأثيراته الإيجابية .. إن وجدت ! و أي نعم ! فمعرفة ما يتابعه الطفل على هذه الشاشة من أفلام و مسلسلات و برامج يدل على اهتماماته و مدى تأثره و تآثره السلوكي و الأدبي و الثقافي ؛ و لنتذكر مسرحية " مدرسة المشاغبين " المشهورة ، و التي أضاف لها التلفزيون انتشاراً واسعاً جداً ، و لا سيما بين أوساط الطلاب و المراهقين ، بعد أن كانت حكراً على من سيشاهدها في المسرح ، فأدى ذلك إلى أن انتشرت ثقافة " مدرسة المشاغبين " على نطاق واسع بين " جمهور " الطلبة ، و قس على ذلك .
إذاً بكلمات أدق : هل يتعلم الأطفال من التلفزيون ؟ أو هل يمكن اعتباره مصدر تعليم لهم ؟ و الجواب هو نعم بالتأكيد ! و لننظر إلى هذه المفارقة .. فعلى الرغم من أنه لا يوجد آباء محنكون و مهتمون بأطفالهم يسمحون لهم باستقاء العلم و التربية و التهذيب و السلوك من شخص غريب يمر بهم في البيت .. إلا أن معظم هؤلاء الآباء يسمحون للتلفزيون بالقيام بهذا الدور ، و يتركون له الحبل على الغارب في تثقيف أبنائهم و بناتهم ، و تعليمهم السلوك و العلوم و الثقافة .
إن الأطفال و المراهقين يقضون أمام شاشة التلفزيون وقتاً أكثر مما يقضونه في أي فعالية أو نشاط آخر ما عدا النوم ! و يتوقع أن الطفل الذي سيصبح في السبعين من العمر ، و هو طفل كبير نوعاً ما ! ، يكون قد قضى سبع سنين كاملة من عمره و هو يشاهد التلفزيون ، هذا إن كان معتدلا ً في ذلك ، فهناك بعض الأطفال يقضون ما لا يقل عن 5 ساعات يومياً في مشاهدة التلفزيون ، و هذا يعني 20% تقريباً من أعمارهم ! أي حوالي 14 عاماً حتى سن السبعين ! و إنها لحياة طويلة !
كما أن هؤلاء الأطفال و المراهقين إنما يتسمرون أمام التلفاز بإرادتهم ، و دونما إجبار ، و هم يحبون حقاً ما يفعلونه ، و هذا ما سيضاعف تأثير التلفزيون عليهم كمعلم محبوب ، أو رفيق مستخف الظل و دمث الرفقة !
أضف إلى أن كثيراً من الأهالي يتركون أطفالهم باطمئنان أثناء مشاهدتهم للتلفاز ، فيغدو و كأنه جليسة أطفال إليكترونية ، تحشي عقولهم و أرواحهم و أجسادهم بالغث و السمين و المفيد و الضار و اللازم و غير اللازم من معلومات و ثقافات و مشاهدات .
لا تتوفر في الحقيقة الدراسات و البيانات التي تتناول التلفزيون و تأثيراته بالمعنى العلمي للدراسة ، فاعتمدت في مقالتي هذه على المشاهدة و الملاحظة المباشرة ، و أحياناً ، و الكلام في سركم ، اضطررت " آسفاً " للمتابعة المباشرة لبعض البرامج و القنوات الفضائية ، و من ثم تعميم " النتائج " التي حصلت عليها بهدف إعطاء لمحة عامة عن الواقع الذي درسته هذه الملاحظة .
إن آلية تضرر الطفل من جراء مشاهدته الطويلة للتلفزيون تعتمد على مجموعة من العوامل المتأصلة في الطفل من جهة و المتعلقة بالتلفزيون من جهة أخرى ، أوجزها فيما يلي :
1- أن الطفل يعتمد في اكتسابه للمهارات و الثقافات الجديدة على مبدأ التقليد ، و لا سيما تقليد الأفراد الأكبر منه أو البالغين ! فهو مقلد بارع ، و يمكن أن تظهر لديه هذه الملكة منذ الأسابيع الأولى من حياته خارج الرحم ، فعلى الرغم من أن الطفل لا يكتسب المعنى الحقيقي في التعرف على أعضاء جسمه إلى لاحقاً .. إلا أنه ، و من دون وعي كامل ، يمارس فعل التقليد في حركات الفم و العينين و اليدين و الجسم حتى قبل أن يتعرف على هذه الأعضاء أو يقارن بينها و بين أعضاء من يقلده فيما يتعلم ، و يتعزز سلوك التقليد لدى الأطفال في حال شاهدوا أحد أفراد عائلتهم يمارس الفعل الذي سيتم تقليده ، أو في حال غياب ما سيعلمه أن القيام بهذا العمل ليس بالأمر المستحسن . و بالنسبة للأطفال ، فالتلفزيون هو ليس إلا صندوق صغير يقدم حركات و أفعالاً و أنماطاً من السلوك التي ينبغي على الطفل أن يقلدها و يمارسها .. لتنبع منه بعدئذ ذاتياً.
2- الفنتازيا و أشكال الإسقاط التي يعتمد عليها الطفل في ممارسة ألعابه و سلوكه و تعلمه ، فالطفل أيضاً آلة خيالات صغيرة ، يتأثر كثيراً بالأوهام الذاتية ، أو المسلطة عليه من قبل مصدر آخر ، و قد لا تكون كل هذه الإهلاسات و الأوهام في الجانب المخيف أو المظلم من عقل الطفل ، بل على العكس .. فإن الفنتازيا ( الخيال ) أحد أهم عناصر لعب الأطفال ، و هو ما يجعلهم يبنون ممالكهم الخاصة ، و ينسجون قصصهم و خرافاتهم ، و يشاركون فيها أقرانهم و آباءهم و الأفراد الأكبر منهم سناً ، بل و يبدون دهشتهم كيف أنك لا تستطيع أن ترى مثلهم كل هذا العالم الرائع الذي يتخيلونه ! و هذا ما يجعل من التلفزيون مصدر إلهام روحي لهذه الفنتازيا ، و مغذياً لها دوماً بالمفردات الجديدة و الغريبة ، و يمكن للأطفال أحياناً أن يروا في التلفزيون أرض أحلامهم التي تتحقق فيها كل خيالاتهم و هلوساتهم ، فعجباً لهذا الصندوق الصغير الذي لا يمنع فيه شيء و لا يستحيل عنه شيء ، و كل ما تطلبه فيه .. يتحقق على الفور .. و بيني و بينكم .. فإن عالماً كهذا .. أفضل إلى درجة ما من الواقع الذي نعيش فيه ..! و إن أحد أهم سبب لعدم تأثر البالغين سلباً بما يشاهدونه على التلفزيون يعود إلى قناعتهم بعدم صحة ما يشاهدونه و أنها محض خيال ، فالكبار لا ينساقون كثيراً وراء الفانتازيا ، و هم يسعون عادة إلى التأمل و الاستفسار لمعرفة كيف استطاع مخرج أحد الأفلام مثلاً القيام بهذه الخدعة أو تلك ، في حين أن عقل الطفل لا يحاسب الأمور على هذا النحو ، و يكتفي باقتناعه بدرجات متفاوتة طبعاً ، بصحة ما يراه حتى و إن كان مخالفاً للواقع و المنطق .
3- يبني التلفزيون الشخصيات المحببة للأطفال بشكل مستمر ، فلا يكاد يمر بضعة أشهر .. إلا و يسمع الأطفال بظهور مسلسل جديد خاص بهم .. لشخصيات جديدة ، و بمزايا جديدة تداعب الخيال الطفولي و تتفوق عليه أحياناً ، و هذا ما يجعل عقولهم حكراً على النماذج المستوحاة من التلفزيون ، و هم دائماً بحاجة إلى مثل هذه النماذج ، و إن انتشار هذه النماذج و المسلسلات على نطاق أوسع يجعل منها لغة مشتركة بين مختلف الأطفال ، و سبباً لزيادة نمو محيطهم الاجتماعي ، و مرجعية متعارف عليها فيما بينهم للتعارف و الالتقاء و ممارسة الألعاب المختلفة .
ماذا عن المحتوى ..؟
يمثل المحتوى ، أي ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون ، لب الجذب الذي يتمتع به هذا الجهاز لدى جمهوره من الأطفال ، و هذا ما يجعله سلاحاً ذا حدين .. على الأغلب ! فمن جهة يمكن أن يستفيد الطفل تعليمياً و ثقافياً و سياسياً من متابعته لما يتم عرضه له ، و من ناحية أخرى يمكن أن تتأثر ثقافته و علومه و سلوكه سلباً بهذه البرامج و العروض .
إن أحد أهم المبادئ التي تبنى عليها النظريات المختلفة في تعليم و تثقيف الأطفال هو أن يتعلم الطفل ما يناسبه في الوقت المناسب لذلك . إن الطفل ، من هذه الناحية ، كائن فضولي لا يكف عن طرح الأسئلة و تلقي البيانات و عقد المقارنات و استنباط الاستنتاجات حول كل ما يراه و يتعلمه ، و إن طرحه للأسئلة بكثرة أمر مفيد جداً له .. ليس فقط لأنه يعينه على تلقي الأجوبة ، بل و لأنه يعرفه على المصادر التي ينبغي له أن ينهل منها إجاباته ، و إن ترك أي سؤال بإجابة معلقة لدى الطفل .. أو بدون إجابة .. سيحثه على تحري الجواب من مصدر آخر .. قد يكون صديقاً .. أو معلماً .. أو قريباً .. أو جهاز تلفزيون ! و المشكلة هنا أن التلفزيون يعرض في كثير من الأحيان أسئلة لا يجب على الطفل أن يفكر في إجاباتها في هذه السن ، و هي أسئلة لا يتمكن إلا الآباء الحصيفون من الإجابة عليها ، و ربما في بعض الأحيان كانت الإجابات مخالفة لما رآه الطفل على الشاشة ، الأمر الذي يدفع الطفل للبحث بنفسه عن هذه الإجابات الضالة عنه و التي لم يجدها لدى أهله و ذويه ، و في حال عرض التلفزيون بعض الإجابات فإنه لا يعرض دائماً الإجابات الصحيحة ، و في حال عرضها .. فإنه قد يخلطها و يطبعها بطابعه المميز و المبني على الإثارة و التشويق و التحفيز .. كي تحافظ هذه الوسيلة الإعلامية على مبررات وجودها و بقائها ، و هذا ما يمكن أن ينعكس سلباً على الوجه الذي تلقى فيه الطفل معلومته أو جوابه عن استفساره ، و عن الطريقة التي تم بها ذلك .. و هل كان حجم المعلومات و طريقة طرحها مناسباً لفهم و سن الطفل .. أم أنه كان من الأفضل لو تمت الإجابة عليه بطريقة أفضل و أكثر ملاءمة لسنه وأكثر مراعاة لما يناسبه .. و ما لا يناسبه ، إذ لا يمكن أن نقحم طفلاً صغيراً في متاهات وقائع فجة تتعلق بمعتقداته و مبادئه و تعليمه و تثقيفه من مختلف النواحي .. الدينية و الخلقية و الاجتماعية و الجنسية ، فيفرغ الفضول المميز له من محتواه ، و يتحول عن هدفه الدائم في التعلم و التعرف و الاستكشاف .. نحو زاوية ضيقة ، و بنظرة محدودة .. تعود عليه بالضرر .. أكثر من الفائدة .
من ناحية أخرى فإن محتوى التلفزيون يناسب الأشخاص البالغين و الأكبر سناً ، و لا أظن أنه ، و مهما تم تهيئته لبلوغ هذا الهدف ، قادر على مراعاة احتياجات الطفل المعرفية و الإدراكية بشكل كامل ، إذ يترك القيمون على هذا المحتوى أمر مشاهدة الطفل و تعرضه لهذا المحتوى إلى الأهل .. فإن أرادوا السماح له بالمشاهدة .. فليفعلوا .. و إلا .. فإن ذلك عائد إليهم بالكيفية التي ينبغي على الأهل اتباعها من أجل منع تحقيق ذلك .
ترى .. ما الذي يشاهده الطفل ، و لا سيما في ظل انتشار القنوات الفضائية على هذا النحو الذي خرج عن السيطرة ؟ّ أجريتُ إحصائية بسيطة معتمداً على ما يعرضه بعض القنوات الفضائية من مواد موجهة لكافة أفراد الأسرة لا على التعيين ، و افترضتُ أن طفلاً يشاهد هذه القنوات .. و من ثم قمت ببعض العمليات الحسابية البسيطة ، فتبين لي ما يلي :
1- 145000 إعلان تجاري تعرض سنوياً ! ! نعم عزيزي القارئ .. مثلما قرأت ، و إن كل تلك النقاط هي أصفار على اليمين و ليست نقاط استهلالية ، فالقنوات الفضائية اليوم تبث إرسالها على مدار أربع و عشرين ساعة ، و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ! و تقاطع برامجها بمعدل مرة كل ربع ساعة للإعلانات ، و بعد خصم الساعات التي لا يتفرج فيها المرء على التلفزيون ، و بحساب القنوات الفضائية المتخصصة بالإعلانات التجارية ، و إدراج البرامج و المسلسلات التي " ترعاها " شركات معينة ، و باستحضار بعض المواسم التي يزداد فيها المكوث على التلفزيون ، و بالتالي يزداد معدل عرض الإعلانات ، و و و .. نتوصل في النهاية إلى أن الطفل يمكن أن يشاهد ما يزيد على مائة ألف إعلان تجاري سنوياً !! أرجو أن تكونوا أيها الآباء قد حضرتم محافظكم لطلبات أبنائكم ، و رؤوسكم لترديد مطالبهم . المشكلة ، عزيزي القارئ ، أن الإعلان ليس إلا وسيلة تجارية بحتة تهدف إلى زيادة ما يسمى مساحة التعريض على المشاهد .. أي بمعنى أقل احترافية .. " محاصرة المشاهد " بصور و إعلانات المنتج .. بحيث أن أقل قشة ستقصم ظهر و جيب رب الأسرة لدى ذهابه إلى المتجر للتسوق .. فلا يتورع عن شراء هذه السلعة تحت الضغط الإعلاني و الضغط العائلي . ترى ما موقف الطفل الذي ستزداد هذه المحاصرة عليه في حين أن لا حول له و لا قوة ، و إن سياسته الشرائية ليست نابعة منه ؟ أو ما موقف الوالد الذي سيزيد " الزن " على رأسه من جراء ذلك ؟ إن كافة البرامج التي يتم عرضها على التلفزيون تستقطع بالإعلانات التجارية .. الأخبار و المسلسلات و الأفلام و برامج الأطفال و الأغنيات .. و الإعلانات بحد ذاتها ! و" الحسّابة بتحسب " . و قد سجل التاريخ في شرائع حمورابي في عام 2250 قبل الميلاد أن بيع أي سلعة للأطفال يعتبر تغريراً بهم ، و هو لذلك جريمة يعاقب عليها القانون بعقاب قد يصل إلى الإعدام !! كما أن محتوى هذه الإعلانات لا يخلو من الضرر بحد ذاته ، إذ يمكن يعرض أحياناً على التلفزيون ما بين 1000 – 2000 إعلاناً للجعة أو البيرة و المشروبات الكحولية على بعض الفضائيات الأجنبية . إن لجوء المنتجين إلى كل ما يتاح لهم من سبل لترويج إعلاناتهم و منتجاتهم يعزز من اللاأخلاقيات التي قد يتم عرضها على الشاشة و يفاقم بالتالي من المشكلة .
2- إن بعض المواد المعروضة على التلفزيون تكون فاضحة و إباحية إلى حد كبير لا يناسب معه عرضها على الأطفال الذين ليسوا في وضع مناسب الآن لتلقي كل هذه الجرعات من الإباحية ، و يجعلنا إما أن نطلب منهم مباشرة مغادرة الغرفة بالأمر العسكري و نكون بالتالي في موقف حرج أمام علامة استفهام كبيرة جداً فوق رؤوسهم حول السبب الذي يدفعنا للبقاء و المشاهدة .. و يدفعهم للمغادرة ! أو أن تتجاهل ذلك ، أو أن نغادر جميعاً الغرفة (و لا أظن أن هذا يحدث عادة) ، و لا يجب أن تتجاهل موضوع تعرض الطفل لهذه المشاهد لفترة طويلة ، و تترك الطفل عرضة لكثير من التساؤلات المبكرة جداً قبل أوانها .. و التي لن تتمكن من الإجابة عليها .. من ناحية أخرى ، تؤثر هذه الإباحيات لا سيما على المراهقات اللواتي يرتكسن بشكل مختلف حيال الوضع الذي يتم تصويره للمرأة و الرجل و علاقتهما معاً ، و الشكل المبتذل أحياناً لهذه العلاقة ، و لا سيما و أن المراهقات ينضجن بشكل أبكر من المراهقين .. الذين يمكن أن يتمدد تأثير ذلك عليهم على مدى سنوات النضج .. في حين يكون ذلك مركزاً على فترة زمنية بسيطة نسبياً عند المراهقات . و قد طالعت مرة دراسة عن أثر ما يعرض من مواد جنسية على التلفزيون المحلي على الأطفال في الدول الغربية ، و الولايات المتحدة على وجه الخصوص .. و قد أوردت الدراسة أن مقدار ما يعرض من علاقات جنسية أو حميمة بين الأصدقاء و الذين لا تربطهم أي علاقة ، أكثر بأربع و عشرين مرة من تلك التي تعرض بين الأزواج ، بافتراض أن الأخيرة لا ضرر من عرضها أساساً، و قد بلغ عدد هذه المشاهد أكثر من 14000 مشهد في العام الواحد . من ناحية أخرى ، فإن ما يسمى بالمشاهد العاطفية لا تقل ضرراً ، و إن كانت أقل إباحية و عرضاً ، عن المشاهد الجنسية الفاضحة ، ذلك أنها تعلق المراهقين و المراهقات بقصصها و تشدهم لمتابعتها .. فيستقون النماذج ، و يبنون الخبرات ، و يخوضون تجارب لا واعية في العالم الافتراضي .. فيصلوا إلى استنتاجات و قناعات قد تكون غير صحيحة ، و لا سيما و أنها غير خاضعة للمراقبة و التصويب و التشذيب و التهذيب من قبل الذين يهتمون حقاً بأمر أطفالهم ، و مراهقيهم . إن وسائل الإغراء المتبعة في هندام و مظهر الشخصيات التي يتابعها الأطفال على التلفزيون ، و التي يطلق عليها خطأ اسم الموضة ، تجعل الطفل الصغير حتى بعمر 10 سنوات يهتم لأمر هذه الشخصيات و يتابعها ، و هو لا يدري حقيقة لماذا ، بل إنه يتابعها لأن فيها شيء ما يشده و يجذبه ، و هو يشعر بالسعادة حين تعرض و يشاهدها حتى و إن لم يكن مهتماً بحقيقة و نوع المحتوى ، فهو يتابع هذه الشخصية التي أحبها و تعلق بها لجمالها و جاذبيتها ، و لكنه لا يعرف حقاً ما السبب ، علماً أن هناك من أطفال هذا الجيل يعرفون حقاً ما السبب ! . إن مثل تلك المواد الإباحية عرّفت الأطفال المراهقين و المراهقات على العلاقات الجنسية المبكرة ، و بينت جوانبها المثيرة و المستحبة ، و جعلت منها غاية مبررة أمام كل انتقاد أو منع ، و خلعت عنها صفتها البشرية التي جبلت أساساً عليها كوسيلة للتكاثر و حفظ النوع ، بل على العكس .. عرفت المراهقين و المراهقات على حبوب منع الحمل ، و وسائل المنع أيضاً ، و ضرورة ألا تسفر أي علاقة ما عن وقوع الحمل .. و فيما عدا ذلك .. لا يهم ! فالمهم أن لا يتم الحمل قبل أوانه ، لأن في ذلك ضرر على الصحة العامة و لا سيما عند الفتاة ! فما رأيك عزيزي القارئ بهذه النصائح ، و التي قد تنم عن إخلاص ناصحها المفرط و المبالغ فيه ؟!
فاللهم جنبنا مثل هؤلاء الناصحين ..!
(يتبع في مقال قادم ..)