موضوع: مفهوم الحب في الإسلام الأربعاء 27 ديسمبر - 20:57
من أكثر الموضوعات التي قد تراود"المسلم المتديّن" في مضمونها وحكمها شكّ موضوع "الحب". فتوجّس المسلم المتديّن من الحب يتبع إحساسه الداخلي عندما يتعدّى شعور الإعجاب أو الاهتمام بشخص ما حدّه الطبيعي. وأحد أهمّ الأسئلة التي يطرقها الإنسان المتديّن: هل الحب في الإسلام حلال أم حرام؟ وهو سؤال يفتح بابا واسعا من القراءة الشرعية في ضوء الفواعل النفسية وتحكمها في الفرد.
من الخطأ ابتداء اختزال مفهوم الحب في العلاقة بين الجنسين، فالحب في الإسلام مفهوم متعدد الأبعاد. والإسلام يقوم بمعناه العام مبنيّ على الحبّ: حبّ الله والرسول (صلى الله عليه وسلّم) وحبّ هذا الدين والقرآن الكريم وحبّ الأنبياء جميعا والملائكة. والحبّ في الله من أعمدة الإيمان الراسخة التي لا يختلف عليها اثنان، وقد ورد ذكر الحبّ والمودّة مرارا و تكرارا في القرآن الكريم كما في السنّة النبويّة، فالقرآن أورد كلمة الحبّ أربعا وثمانين مرّة: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه…" (البقرة/165).. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين" (المائدة/54)، "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ" (آل عمران/31)، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً" (مريم/96). وفي السنّة النبويّة العديد من معاني الحب وأصوله، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المتحابين في الله تعالى لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي. فيقال من هؤلاء؟ فيقال: هؤلاء المتحابون في الله عز وجل".
وقد حدّد الإسلام شروط الحبّ بأن يكون ضمن رضا الله وتحقّق أوامره، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن يسير هذا الحبّ في اتجاهه الطبيعي من غير غلوّ ومبالغة. ويوضح أحد هذه الأبعاد الحديث النبوي "من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" (أبو داود:4681).
الحب في الإسلام لم يكن مجرّد كلمة أو نظريّة من غير تطبيق، فالحبّ بين المسلمين يحمل معاني وممارسات سامية لربّما لا يوجد لها مثيل في كافة شرائع وأعراف الدنيا. والحبّ في الإسلام هو حالة واقعيّة ممثّلة بصدق وشفافيّة مع الآخر، ومفردات الحبّ الإسلامي هي الدعاء للآخر والنصح والتوجيه له إذا ما حارت به السبل كما تفقّده إذا ما غاب لسبب ما والتضحية والإيثار لأجله بعيدا عن المصالح الدنيوية، ولعلّ أعظم مثال في هذا الصدد ما غرسه الرسول(صلى الله عليه وسلّم) من مبادئ وأسس حب وإخاء ما بين المهاجرين والأنصار، ويمكن اقتباس شيء من معاني هذا الحب من الحديث القدسي "وجبت محبتي للذين يتحابون ويتجالسون ويتزاورون ويتبادلون فيّ".
ومن مرفأ الحب لله وفي الله وحب الرسول صلى الله عليه وسلّم وكل ما يتعلق بأسس الإيمان والتوحيد من حب القرآن والأنبياء والصالحين، سيكون الإبحار نحو الحبّ الأسري الذي لا جدال في حلّه مثل ذلك الذي بين الأزواج وبين الآباء والأبناء وحبّ الوالدين والإخوة وحب أولئك الذين تربطهم صلة الرحم، فحبّ الرسول (صلى الله عليه وسلّم) لبناته كان مثالاً حيّاً لمعين الحبّ الذي لا ينضب والذي غرسه الله في النفس البشرية بما فيها نفس رسول الأمّة لتكون خير نموذج واقعي للحبّ. فلم يؤثر قطّ أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام حزن لميلاد أيّ واحدة من بناته فها هو يفرح ويستبشر بميلاد ابنته فاطمة رضي الله عنها، وتوسّم فيها البركة واليمن فسمّاها فاطمة ولقّبها بالزهراء وكانت كنيتها أمّ أبيها.
أمّا ما كان على صعيد حبّه لزوجاته، فالرسول صلى الله عليه وسلّم كان مثالا للعاطفيّة والرومنسيّة من دون منازع. فبينما كانت تتخافت الأصوات عند ذكر الصحابة أسماء نسائهم، نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع. فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم :"أي الناس أحب إليك. قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها". وقد جعل معيار الخير في الرجل بمقدار حبّه ورفقه بأهل بيته فقال صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
وبالعودة للسؤال الأوّل عمّا إذا كانت مشاعر الحبّ بين الجنسين غير المتزوجين جائزة في الإسلام أم أنّها تندرج ضمن نطاق المحرّم الذي يجب على المسلم تجنّبه؟ وإذا جازت هذه المشاعر فما هي حدودها وضوابطها وما هو مصيرها؟
على المسلم أن يضع في اعتباره بداية قول الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) "الأرواح جنود مجنّدة، ما تعارَف منها ائتَلفَ وما تناكر منها اختلف". إذاً فمشاعر الارتياح والميل نحو شخص ما أو حتى النفور منه هي مشاعر تلقائية لا تعرف عند نشوئها التخطيط المسبق إلاّ أنّها لابدّ وأن تسير ضمن نسق وإطار محدّد رسمته الشريعة كي لا تكون مشاعر الحب للآخرين معول هدم وتدمير لحياة الفرد.
فالإسلام لم يطارد المحبّين ولم يطارد بواعث العشق والهوى في النفوس ولم يجنح لتجفيف منابع العاطفة، بل على العكس قال الرسول صلى الله عليه وسلّم مخالفاً في ذلك الكثير من الأعراف الإجتماعية القديمة في عدم تزويج المحبّين خوفاً على سمعة الفتاة: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح" فجعل النهاية المأمولة لكلا الطرفين بالزواج الذي حضّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متّبعاً في حديثه هذا طريقة غير مباشرة في التوصية على عدم الوقوف في وجه المتحابّين وعرقلة اجتماعهما على الخير.
كما أنّ الحب في الإسلام حبّا راقيا لا يضع معايير الشكل الخارجي في الحسبان فقط. فكان حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صفات الفتاة التي يعدّ الزواج والقرب منها ظفراً للمسلم فقال"تنكح المرأة لأربع، لحسبها ولجمالها ولمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".. وبذات الوقت الذي تفهّم فيه الإسلام نفسيّة الإنسان وأقر له باحتمالية وجود ونشوء مشاعر الحبّ نحو الآخر إلاّ أنّه قد وضع لها من الضوابط ما يهذّبها ويسير بها نحو طريق الأمان فكان الزواج هو واحة المتحابّين الوحيدة في التشريع الإسلامي.
والحب قد يُولَد سريعا من نظرة عابرة، بل قد يولد بسماع الأذن دون مشاهدة، وهنا قد يزول وقد يبقَى ويشتد إن تَكرَّر أو طال السبب المولِّد له من رؤية للشخص المحبوب أو الحديث معه أو تذكّره والتفكير فيه، فبمعرفة السبب الموّلد له نكون قد وضعنا أيدينا على حكم الحبّ، فإذا كان من ذلك الذي قد يصيب الإنسان من النظرة الأولى وبالمصادفة فيكون ضمن الحبّ الاضطراري والذي لم تتدخّل النيّة البشرية في حدوثه أو تغذيته وهذا بفتاوى العديد من الأئمّة يدخل ضمن المصادفة ولا يحكم عليه بحلّ ولا حرمة. أمّا النوع الثاني وهو ذلك الذي يغذّيه مسبّبّه من رؤية وحديث مع المحبوب على هيئة لقاءات ونزهات وأحاديث هاتفية وخلوة أو رسائل وتبادل صور ومتعلّقات فذلك من النوع المحرّم قطعاً والذي قد يقود الإنسان نحو الهاوية إذا لم يتراجع ويحكّم شرع الله في كبح جماح عاطفته. فالحبّ الذي لا يتعدّى حدود الإعجاب والذي لم يصاحبه محرّمات فصاحبه يدخل ضمن نطاق المعذور. لكن إذا ما بدأت المحرّمات تتولّد بسببه فحكمه بدون جدال عند الفقهاء هو "الحرمة".
" ملأ الله قلوبنا بحب الله ورسوله وجعلنا متحابين متوادين في طاعته ورضاه عز وجل"
muslem
عدد الرسائل : 772 تاريخ التسجيل : 02/08/2006
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الخميس 28 ديسمبر - 10:38
أهلا و سهلا بعودتك الى منتداك أخي ابن العربي اشتقنا لكلماتك القيمه النافعه جعلها الله في ميزان حسناتكم
ابن العربي
عدد الرسائل : 435 تاريخ التسجيل : 28/08/2006
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الخميس 28 ديسمبر - 12:03
جزاكم الله أخي و أنا كذلك اشتقت إليكم أنظر فلك رسالة على الخاص
muslem
عدد الرسائل : 772 تاريخ التسجيل : 02/08/2006
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الخميس 28 ديسمبر - 16:32
جزاك الله خيرا و أحبك الله أخي ابن العربي و لا نريد اشغالك في هذه الفتره عما انت يصدده فهو أهم و الله يوفقك و يجعله جهدا مقبولا عنده
حامد
عدد الرسائل : 198 تاريخ التسجيل : 11/11/2006
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الأربعاء 3 يناير - 11:22
:cherry:
عبدالله
عدد الرسائل : 603 تاريخ التسجيل : 14/09/2006
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الجمعة 5 يناير - 0:51
جزاك الله خيرا و بارك في جهودك
ابو عمر
عدد الرسائل : 2 تاريخ التسجيل : 01/06/2007
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الجمعة 1 يونيو - 22:50
اخى الكريم الموضوع شيق لكن اعتقد ان للسوال اكثر من مغزى
moslem
عدد الرسائل : 440 تاريخ التسجيل : 02/08/2006
موضوع: رد: مفهوم الحب في الإسلام الأربعاء 6 يونيو - 19:33
جزاك الله خيرا أخونا ابو عمر و الأخ ابن العربي منشغل حاليا و ان شاء الله يعود لمنتداه و لديه اسلوب جميل و غير تقليدي في الموضوع و كانه بفكر مع الشباب ثم يرشدهم باذن الله للتفكير القويم و النظره السليمه