( سورة النحل ) .
البند الثامن في الصبر : إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب ، إنما يوفّ الصابرون أجرهم بغير حساب ، الله عزوجل مربٍ ، يسير الإنسان في الصحراء يتعب يجد واحة فيرتاح الله حكيم يسوق الشدة ثم بعدها الرخاء ، يسوق الشدة ومن بعدها شدة إليه ، يسوق المحنة ومن بعدها منحة ، يسوق الشيء المتعب ومن بعده شيء مريح ، سيدنا رسول الله بالطائف إذا وجد خط بياني للدعوة بالحضيض ، كذب واستهزئ به وبدعوته وقد ناله الأذى من أبنائهم ، قال
يارب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي ) ماذا جاء بعد الطائف ؟ الإسراء والمعراج ، وصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، لقد رأى من آيات الله الكبرى ، لقد أطلعه الله أنه سيد الخلق ، سيد الأنبياء والمرسلين ، متى جاء الإسراء والمعراج ؟ بعد الطائف ، وكل شخص منا عنده طائف وعنده إسراء ومعراج ، بالمعنى الرمزي ، ساعات شدة ومحنة ، وساعات فوز وتكريم ، بعد العسر اليسر ، وبعد الضيق الفرج ، بعد الضعف القوة ، بعد الفقر الغنى ، هذه حكمة الله عزوجل وهذه تربيته ،أنت عندما تبشر إنساناً بماذا تبشره ؟ أتبشره بإتلاف المال هذا مستحيل ، تبشره بالقتل مستحيل وهذه اسمها استعارة تهكمية ، على كل البشرى للشيء الطيب ، قال تعالى :
( سورة البقرة ) .
قد تجد الغني مكرماً عند الله والفقير مهاناً ، قد تجد القوي مكرماً و مهاناً ، قد تجد الوسيم مكرماً والدميم مهاناً ، إمرأة على جانب من الجمال معززة مكرمة ، إمرأة تواجه مشكلة تجدها غير مرغوبة فهذه المرأة من الدرجة الثانية تتألم ، لكن الله عزوجل يقول:
( سورة الفجر ) .
( سورة الفجر ) .
لا ليس ذلك فليس عطائي إكراماً ولامنعي حرماناً ، إذا الله عزوجل منعك من شيء لايعني أنه يهينك ، أجمل مثل : الأب الطبيب شكا له ابنه ألماً في المعدة قام بالتنظير فوجد التهاباً حاداً ، طهو من الطعام الكوسا فمنعه من تناولها بقسوة ، وإذا فكرت الأم إعطاءه نصف قطعة يصب عليها جام غضبه فهذا الطفل عندما حرم هذه الأكلة الطيبة هل يشعر أن أباه يهينه ؟ هذه ليست إهانة بل حفظ ، فعندما تفهم أن هذه المصيبة حفظ نجحت ، بذلك الآية الكريمة :
الله عزوجل يخاطب المؤمنين :
( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإن إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ) الصلاة هي الدعاء ، الدعاء لمن بيده القوة ، فإذا صلى الله عليك الله بيده كل شيء الصلاة من الله رحمة وعطاء ، من العبد دعاء ،
( سورة البقرة ) .
النصر يحتاج للصبر ، قال تعالى :
( سورة آل عمران ) .
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : واعلموا أن النصر مع الصبر ) شيء آخر الصبر يحتاج لقوة إيمان ، أما عدم الصبر دليل ضعف الإيمان ، والدليل قال تعالى :
( سورة الشورى ) .
( سورة لقمان ) .
الفرق في اللام وفي صبر وغفر ،
المعنى الذي تعرفونه : هو أن الإنسان إذا جاءه من الله مصاب مباشرة عليه بالصبر ، أما إذا جاء هذا المصاب على يد إنسان عليه أن يصبر ويغفر ، يصبر على قضاء الله وقدره ، ويغفر لمن ساق الله هذه المصيبة على يديه ، أوضح مثل : إنسان وقع ابنه من الشرفة فنزل ميتاً عليه بالصبر ، لأن هذا قضاء الله وقدره ، أو لو أن سائقاً دعس ابنك لا سمح الله ماذا تفعل ؟ هنا أنت بحاجة لصبر ومغفرة وحينما يكون إيمانك قوياً جداً ترى أن هذا الذي ساق الله المصيبة على يديه إنسان قدر الله عليه هذه المصيبة ، فلا تحقد إذا كنت مؤمناً .
الآن المراتب العالية ، المواقف الجليلة ، البطولات التاريخية ، قمم النجاح ، هذا كله يحتاج إلى الصبر ، إن أردت أن تكون من عامة الناس فلا تصبر ، وإذا كنت من أعلام الأمة والنوابغ والعباقرة وكبار الدعاة والمصلحين ، هناك مضائق لابد أن تمر فيها ،
" واجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا " ، " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماما " . اسمحوا لي بهذه الكلمة أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو لن نشم ريح الجنة إلا إذا مررنا في المضائق التي رسمت لنا ونجحنا فيها ، في مضائق الصبر ، الصبر عن الشهوة ، والصبر على الطاعة والصبر على قضاء الله وقدره ، الحياة مريحة مال ، جاه ، مكانة ، طعام لذيذ ، نزهات جميلة ، لامتاعب أبداً هذا شيء مستحيل !لابد من مضائق تمر فيها ، مر فيها النبي ويمر فيها كل مؤمن صادق
( فاصبر كما صبروا أولوا العزم من الرسل) ، (فاصبر وما صبرك إلا بالله) ، (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) .الوحشي الذي قتل سيدنا حمزة وأمرته هند بنت عتبة أن يشق صدره وأن يستخرج كبده فمضغت كبده تحقيقاً لحقدها ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب سيدنا الحمزة حباً لاحدود له ، أليس بإمكانه أن يقتله ؟ أن يمثل به ، أن يعذبه ، أعلن الشهادة انتهى ، دخل في الإسلام دخلة تقية كما يبدو فالصبر دليل العظمة ، سهل أن تبطش لكن البطولة أن تصبر ، أن تكظم الغيظ .
( سورة آل عمران ) .
رجلان قادمان من أوربة بسيارتين دخلا فندقاً في بعض مدن أوربة الشرقية ، في الليل فتاتان طرقتا بابي الغرفتين ، رجل فتح الباب والآخر طردها ، وتابعا المسير للشام ، الذي فتح الباب أصبحت حياته سلسلة من العذابات إلى أن طلق زوجته ، وأغلق متجره ، ولم يجد ما يأكل ، والثاني صعد هكذا هذا العطاء لمن صبر ، قال :
( سورة يوسف ) .
سيدنا يوسف أكبر شاهد قدوة للشباب آثر طاعة الله ورضوانه على شهوته لذلك مامن شيء أكرم على الله من شاب تائب ، إن الله ليباهي الملائكة ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي .
( سورة فصلت ) .
المراتب العليا تحتاج إلى صبر ، وما نيل الطالب بالتمني ، ولكن تؤخذ الدنيا غلايا .
( سورة الإسراء ) .
( سورة آل عمران ) .
الآيات الدالة على عظمة الله ، العبر لا يستنبطها إلا الصابرون .
قال تعالى :
( سورة إبراهيم ) .
( سورة سبأ ) .
( سورة الشورى ) .
الصبار هو كثير الصبر وهو الذي يكتشف الآيات ، في الآيات الكونية والتكوينية ، قد لاتصدقون هذه الجنة العظمى ودار الخلد التي وعد بها المتقون هذا المقام الرفيع عند الله عزوجل .
( سورة القمر ) .
( سورة القمر ) .
هذا العطاء الأبدي ، والنعيم المقيم ، وهذا الفوز العظيم ، والمقام الرفيع في ظل رضوان الله ، هذا النظر لوجه الله يوم القيامة قال : كل هذا ثمنه الصبر ،الدنيا فيها شهوات وقنوات نظيفة ، فإذا سلكت الشهوات في هذه القنوات هذه للجنة ، إذا أفرغت الشهوات في أي قناة للنار ،
(إن عمل الجنة حزن بربوة، وإن عمل النار سهل بثروة ) الآية الكريمة تقول :
( سورة الرعد ) .
( سورة الرعد ) .
( سورة السجدة ) .
فأنتم في سلام اللهم أوصلنا إلى دار السلام بسلام ، فثمن هذه الدار الصبر ،
(سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقب الدار) . النقطة الخامسة عشرة أن الصبر يورث صاحبه الإمامة ،
(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .الشيء قبل الأخير أن الصبر يقترن بكل مقامات الإسلام ، كالإيمان والتقوى والتوكل والشكر والعمل الصالح والرحمة ، لذلك كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لاصبر له كما أنه لاجسد لمن لا رأس له .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(خير عيش أدركناه بالصبر ) عندما الله عز وجل يسعد إنساناً هذه السعادة لا علاقة لها بنوع معيشته ، قد يسعدك وأنت في الكوخ ، وقد يسعدك وأنت أعزب وقد يسعدك وأنت فقير ، وقد يسعدك وأنت مريض ، وقد يسعدك وأنت تأكل أخشن الطعام يسعدك وأنت ترتدي أخشن الثياب ، وقد يشقيك الله عز وجل وأنت في قمة النعيم ، الشقاء والسعادة لا علاقة لهما في شروط الدنيا التي تعارف عليها الناس إنها عالية ، الله عز وجل قد يحجب رحمته عن القوي فقوته بلاء عليه ، وعن الوسيم وسامته بلاء عليه ، وعن الغني غناه بلاء عليه ،عن إنسان عنده أولاد أولاده أعداء له ، وقد يفتح رحمته على من حجبت عنه الدنيا فإذا فراشه الخشن أجمل فراش ، في فندق بألمانيا كتبوا على السرير (إن بت أرقاً فابحث عن ذنوبك فالعلة ليست في فرشنا بل في ذنوبك ) يتألم الإنسان أحياناً ولا ينام ، يقول سيدنا عمر
خير عيش أدركناه بالصبر ) والنبي الكريم أخبر في الحديث الصحيح أن (الصبر ضياء) ، نور في القلب ، الصبر كما قالوا : الحسنة نور في القلب ، والوجه
صحة في البدن ، محبة في قلوب الخلق ، سعة في الرزق ، ويقول عليه الصلاة والسلام : أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ قَال: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ شَيْئًا هُوَ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ . ( رواه الترمذي ) .
يارب ارزقني الصبر ، افنقر إلى الله بالصبر ، وفي الحديث الصحيح :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وَكَانَ خَيْرًا ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ وَكَانَ خَيْرًا * ( رواه أحمد ) .
النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالصبر عند ملاقاة العدو ، وعند المصيبة ، وعند الصدمة الأولى وأمر المصاب أن يحتسب مصيبته عند الله عزوجل فإن هذا يخفف من مصيبته ، حسبي الله ونعم الوكيل ونهانا عن الجزع والتسخط والتشكي فإن هذا يزيد في الاثم ويذهب الأجر ، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام : أن الصبر خير كله ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما أعطي أحد عطاءً خيراً له وأوسع من الصبر .
ملخص الدرس : إذا كنت مؤمناً فأنت صابر ، وإن لم تصبر فهذا ضعف شديد في إيمانك ، فإن ضجرت فهذا يدل على عدم الإيمان ،ومن لاصبر له لا إيمان له ، والحمد لله رب العالمين .
--------الكتاب تظهر فيه الايات و موجود في قسم تحميل الكتب المنسقه- التزكيه-